إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
قول غاية في الصدق والحكمة والعمق .. كلمات قالها أميرنا شوقي من فترة تزيد عن الثمانين عاما ومع ذلك ما زال صداها يدوي في ساحات أدبنا ،وواحات حياتنا ، وصحراوات دنيانا. هذه الأبيات التي تعلمناها وتعلمها آباؤنا في سنوات الدراسة الأولى والتي خلدت وستخلد إلى أن تفنى العقول التي تعيها وتستوعبها.
ما الذي يحرك الإنسان؟
سؤال عفوي بسيط كان يلح عليّ باستمرار ويجعلني بدوري ألح على من حولي في الإجابة عليه منذ أن كنت في السابعة عشر من عمري ومع أوائل دخولي للعمل في الصحافة المدرسية. وتعددت الإجابات التي كنت أحصل عليها ما بين العقل، والضمير، والدين، والإحساس، والشخصية. وبالرغم من أنني أجد كل هذه الإجابات صادقة وواقعية إلا أنني أرى أن الجُعبة الجامعة لها جميعا هي الأخلاق، فأنت عندما تتعامل مع شخص، تتعامل مع خُلقه بكل محتوياته ومكوناته.
فالخُلق هو الذي يُهذبه الدين، ويُدعمه الضمير، ويوجهه العقل، ويُحييه الإحساس، وتحتويه الشخصية... والخُلق الحسن هو المعنى الحقيقي لمرادفات كثيرة فهو من أهم مسببات المُعاملة الراقية، والعلاقة الزوجية الناجحة، والزمالة السوية، والصداقة المُخلصة، وصلة الرحم، والعِشرة الطيبة.
والخُلق في رأيي يطغى على الخَلق أو الطبيعة التي جلبنا الله سبحانه وتعالى عليها!
فكم من رجل عصبي المزاج يُثُار لأتفه الأسباب لكن حُسن خُلقه لا يلبث أن يدفعه للاعتذار تماما كأمطار السماء التي تُخمد العواصف الترابية العاتية، وتجده يبذل قصارى جهده لمحو ما صدر منه من قُبح لا لشيء إلا لأنه يريد أن يرى نفسه ويراه الآخرون جميلا.
وعلى النقيض تماما قد تُصادف في حياتك امرء هادئ الطبع ، لاتسمع في الغالب منه إلا الصمت الذي يجعله يُحييك برأسه إذا قابلك ويرسم على وجهه قناع الوقار الذي يخدعك وما أن تختلف معه في شيء تُفاجأ بوابل من الكلمات القاسية وقذائف من الشتائم ، وافتراءات ظالمة وادعاءات شخص محترف في قلب الباطل حقا والحق باطلا. إن مثل هذا الغافل لا يُبالي بخطئه بل يتباهى بشرّه، ويحتمي بإجرامه، ويفتخر بسلط لسانه. أعاذنا الله وإياكم من مصادفة أمثاله.
صدقت يا سيدي وسيد الخَلق والخُلق الذي يصدقك فعلك قبل قولك عن حُسن الخُلق حينما تقول:
" إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا في الدنيا"
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم